أنا حوراء حسناء ،و صيتي قد بلغ عنان السماء ، لا في الهند مثلي ،و لا في السند ،و لا حتى افريقيا السوداء.
أنا جميلة ،و لا مثيل لي سوى تلك القابعة خلف المرآة ، و لحسن حظي لا تنعم بالحياة .
نسخي الاربعون موجودون ، و لسعادتي هم متفرقون .
و لأنني فريدة ، فأنا حقا سعيدة.
بلغت العشر سنين، و ثلاثا أخرين ، و ازداد حسني بهاءا، و لفت أنظار الناظرين.
دق بابنا يوما ابن صاحب الدكان القديم ، جارنا الأبله المسمى كريم.
فتح الباب أبي و تناوله بالحضن سعيد ،أن جاءه مخلّصه الوحيد ، فأنا لأبي أكبر تهديد .
دفعني أبي اليه ،و ابتهج لخطبتي عليه.
مرت شهور أربع ، و لم اعد اسمع ،من خطيبي الاقرع غير ألفاظ الحب المميع.
و سرعان ما منه اغتظت، و عن خطبتي رجعت،فأنا لا زلت صغيرة ، و أريد العيش أميرة ،أريد الهدايا ، و الخيرات الكثيرة .
اريد أن يقدر جمالي و يثمن ،و يتغنى عليه بشعر و يلحن ،فأنا درة نادرة ، أنا الفتاة الساحرة.
بلغت العشرين فدق بابي من الرجال أربعين ،لكن أبي أكرمه الله و رعاه
لم يقبل منهم بسواه :ذلك الشاب البدين ، أشيع عنه أنه أمين ،لا يسرق و لا يكذب و يعد من المحسنين.
قال ابي أن الطعام في دارهم مضمون ،لحم و فاكهة و كل الذي يشتهون
لهذا صار هكذا ، سمين .
و حين سألته يوما ما يطعمون قال : لا شيء غير الماء والعجين.
أيأكل هذا الجمال العجين ؟ لا و رب العالمين.
أبتدعت مشكلة لخطيبي ،فما عاد خطيبي .
بعد العشرين زدت أربعا آخرين و ازداد جمالي مرتين ،و لم أعد أحسب حينها عدد الخاطبين ،و سر أبي بخاطب جديد ،ليس حسن المظهر لكن أبي كان به سعيد.
يعمل الرجل في البناء و تعلوه سمات الدهاء .
ما بال النساء لا تعجبهم صنعة البناء؟فلولا خطيبي لبات الناس في العراء ،يعانون حر الصيف و قر الشتاء ،لكني كرهته حين صافحته ،فقد ضرب الزلزال يديه،و شق كلتا راحتيه ،فاغتظت منه و افتعلت شيئا لابتعد عنه .
غادر المسكين ذليلا ، و ربما سهم الحب أحاله عليلا.
جاءني بعدها معلم صبيان ، رجل صارم يسب الناس و الزمان ،و يدعي ان الأخلاق ضاعت ،و لم يعد للزمان أمان ،فاستأمنه أبي علي ،و ظن أن القدر قاده هدية الي، ليكون لي خير ولي ، و لكنه كان بي شقي.
سمعت أقاويله ، و رأيته أفاعيله ،و عرفت أنه في النفاق أبدع، و للناس جميعا تصنع ،فأنا نعم حسناء ،و لكنني لست أبدا بلهاء .
نشرت عيوبه بين الناس ،من دون شفقة ،و لا إحساس ،فتوارى المعلم عني لأن لساني لم يصني، و ارتحت من همّ الخطيب ،و اغتم أبي من جديد.
جاءني بعدها محام حكيم ،و وسيم، و جواد ،وكربم .
لكنني رأيت أنه في الوسامة فاقني، و ذلك طبعا لم يرضني ،و بحكمته غلبني ،و بلسانه ازعجني ،فكل المحامين ملسنين ، و شعرت ان قيدي استوثق ،و عذرت كل المسجونين،فقررت التحرر منه ، بالتخلي عنه .
ألم يقولوا أن المرأة غلبت الشياطين ؟ فلن يغلبني اذا أشطر المحامين .
أعانتني في حيلتي صديقتي واهبة ،و التي كانت به راغبة ، و اتهمناه بالخيانة ،و تباكيت امام أبي ،و ادعيت الرصانة، و الشعور بالمهانة ،و قلت: لا أحب من لا يصون الأمانة .
نسيت بعد ذلك عدّ السنين ،و قلّ اذ ذاك الخاطبين ،و كفت الايادي عن دق بابنا الحديدي ،ور حت أهمس ثم انادي :أريد رجلا عادي ، أكون له امرأة ،و لن يكون عني الا راض .
رأيت الصغيرات يتزوجن ،و يلدن ،و يحظين بالأحفاد
و أنا خلف بابي ، أبكي شبابي ولا ينفعني انتحابي .
محول الأكواد إخفاء محول الأكواد الإبتسامات إخفاء الإبتسامات